مدخل الى العلوم القانونية الفصل الاول تتمة
الباب الأول:
القاعدة القانونية في عموميتها، أولا :
النظرية العامة للقانون :
القانون هو مجموع القواعد القانونية التي تنظم الحياة والعلاقات بين الأفراد والأشخاص في المجتمع . ومنه فإن القاعدة القانونية هي تلك الوحدة التي يتكون منها القانون، وتهدف إلى تنظيم الحياة في المجتمع، أي "تنظم السلوك"، هذا الأخير الذي لا تحكمه القاعدة القانونية فقط، بل تنظمه قواعد أخرى كالقواعد الأخلاقية والدينية.
وإذا كان من السهل الفصل بين هذه القواعد في الدول العلمانية، فقد يصعب الأمر في أحيان أخرى لاسيما في الدول التي تمزج بين الدين والدولة.
فما هي الخصائص التي تميزها عن باقي قواعد السلوك الأخرى ؟
وما هي مصادرها؟
هل يتم وضعها بشكل تلقائي ؟
أم من جهة مختصة بذلك ؟
سنتناول هذا الباب من خلال المواضيع التالية :
تحديد موضوع القاعدة القانونية .
مصادر القاعدة القانونية .
تطور القاعدة القانونية بالمغرب الفصل الأول :
موضوع القاعدة القانونية
سبق أن ذكرنا عند تعريف القانون أن موضوعه هو تنظيم الحياة في المجتمع، أي ضبط العلاقات بين الأفراد وتنظيم سلوكاتهم ؛ فالقاعدة القانونية تأتي إما لتفرض على إنسان القيام بسلوك معين، أو لتمنعه منه ، أو لتبيح له القيام بسلوك معين .
وسنحاول اختبار ذلك في بعض فروع القانون:
و القانون الجنائي : يفرض ويمنع ويبيح مجموعة من التصرفات:
- يفرض مساعدة الشخص المحتاج أو الذي يتهدده خطر معين ؛ وكل من امتنع عن ذلك يكون قد ارتكب جريمة عدم تقديم المساعدة لشخص في خطر. وهي جريمة الامتناع ....
- يمنع السرقة والاغتصاب والقتل...
- يبيح الدفاع عن النفس، وممارسة الشعائر الدينية. والقانون المدني:
- يفرض الوفاء بالدين، وقد ينتقل الجزاء من مجرد جزاء مدني إلى يصبح جزاء جنائيا ، ويفرض كذلك على المقاول أن يحترم شروط البناء وإلا قامت مسؤوليته عن الأضرار التي قد تحدث لصاحب المشروع المتضرر .
- يمنع الغش في البضاعة، والتدليس، والغش، والغبن والإكراه، والقرض بالفائدة بين المسلمين.
- يبيح الاتفاق على تسليم المنقول المبيع في مكان غير المكان الذي يتم فيه البيع . ويبيح الاتفاق على نقل الوجيبة الكرائية إلى محل المصري ، عوض أن يأتي لتسلمها من المكتري ، الكراء محمول لا منقول) . والقانون التجاري:
- يفرض توفر بيانات إلزامية في الشيك والكمبيالة.
- يمنع التفالس بالتدليس؛ أي التظاهر بالإفلاس، كما يمنع الاحتكار والمنافسة غير المشروعة.
- يبيح المنافسة المشروعة.
والخلاصة :
أنه إذا كان موضوع القاعدة القانونية ، في كل الأحوال هي عبارة عن أوامر ونواهي، فإنها ليست لوحدها التي تتصف بهذه الأوصاف، بل هناك قواعد أخرى تتضمن مثل هذه الأوامر والنواهي كقواعد الدين والأخلاق. وقبل تفصيل هذا الموضوع، ما يتعين علينا القيام ببيان خصائص القاعدة القانونية.
الفرع الأول:
خصائص القاعدة القانونية
تتسم القاعدة القانونية بمجموعة من الخصائص الأساسية، فهي قاعدة اجتماعية ، عامة ومجردة ، ملزمة ، قاعدة سلوك، تفرضها السلطة العامة. ويمكن تجميع هذه الخصائص كلها في خاصيتين أساسيتين:
- أنها قاعدة ملزمة.
- تفرضها السلطة العامة.
المبحث الأول: خاصية الإلزام في القاعدة القانونية
الإلزام خاصية تطبع القاعدة القانونية منذ نشأتها، أي أنها واجبة التطبيق،
وعلى الجميع الامتثال لها، وتعمل السلطة العامة على مراقبة احترام الأفراد لها، وبعبارة أخرى ، أن الدولة هي التي تضعها ، وأنها واجبة التطبيق وعلى الجميع الامتثال لها، سواء القاضي الذي يطبقها أو المطبقة عليهم، ومن لم يمتثل لها، فان هنالك جهة مختصة تتكلف بذلك، وهي السلطة
العامة.
والقواعد القانونية ليست دائما بنفس الحدة والدرجة من الإلزام، إذ هنالك :
- أكثر إلزامية : لا يجوز الاتفاق على مخالفتها ، وتسمى بالقواعد الآمرة أو الملزمة.
- قواعد أقل إلزامية: يجوز الاتفاق على مخالفتها ، وتسمى بالقواعد المكملة أو المفسرة. المطلب الأول: القواعد الآمرة
يقصد بالقواعد الآمرة تلك القواعد التي لا يمكن الاتفاق على استبعادها بمحض إرادة الأطراف، فهي تفرض على الأشخاص والمحاكم، ومن هنا يبدو أن مجال القواعد الأمرة يعرف اتساعا في القانون العام كالقانون الإداري ، بينما يضيق وجوده في القانون الخاص، باستثناء القانون الجنائي.
- مثال : زنى المحارم ، وقانون الأحوال الشخصية والأسرة هو قانون خاص" ولكن فيه مجموعة من القواعد الآمرة.
- المهر أو الصداق " لا يجوز لاثنين الاتفاق على التخلي عنه في عقد الزواج" .
- أركان العقد هي : الأهلية ، الرضى، المحل، السبب، الشكل في العقود الشكلية ، والتسليم في العقود العينية .
- عقد الزواج ضروري في الزواج، (استلام الشيء المبيع وأخذ مقابله في عقد البيع) |
فهذه كلها قواعد آمرة، إذ لا يجوز الاتفاق على ترك ركن من تلك الأركان الضرورية لإبرام العقد ، وإلا كان العقد باطلا. وتتميز القاعدة الآمرة بعدة خصائص:
- لا دخل للإرادة فيها، حيث يتعذر على الأشخاص الاتفاق على مخالفتها ؛ - يجوز لكل ذي مصلحة إثارتها أمام المحاكم؛ - يمكن للقاضي إثارتها من تلقاء نفسه؛
- تعتبر مسألة قانون لا مسألة واقع؛ إذ لا يمكن للقاضي أن يستعمل السلطة التقديرية بشأنها؛
- تتعلق بالنظام العام؛ - تخضع لرقابة محكمة النقض (المجلس الأعلى سابقا).
ومن الأمثلة على القواعد الآمرة في القانون العام، ما نص عليه قانون الوظيفة العمومية بشأن واجب كتمان الموظف للسر المهني، حيث لا يمكن الاتفاق على مخالفة هذا الواجب وإفشاء معلومات إدارية تتعلق بالملفات التي يشرف عليها الموظف تحت طائلة العقوبات الجنائية، إلا في الحالات التي يسمح بها القانون.
المطلب الثاني: القواعد المكملة أو المفسرة
يقصد بالقواعد المكملة تلك القواعد التي يمكن الاتفاق على مخالفتها ، وهي قواعد أقل إلزامية من القواعد الآمرة ، وإن كانتا تشتركان في المصدر (تشريع أو عرف)، وبالتالي يجوز للأفراد إبعادها إذا اتفقوا على ذلك ، حيث أنها تعمل على ملء الفراغ الذي قد تتركه إرادة المتعاقدين.
وللقواعد المكملة كذلك عدة خصائص: - للإرادة دخل فيها ، حيث يمكن للأشخاص الاتفاق على مخالفتها ؛ - لا تتعلق بالنظام العام؛ - لا يمكن لكل ذي مصلحة إثارتها أمام المحكمة ؛ - لا يمكن للقاضي أن يثير تطبيقها من تلقاء نفسه؛ - يمكن للقاضي أن يستعمل السلطة التقديرية بشأنها؛ - لا تخضع لرقابة المجلس الأعلى (سابقا، محكمة النقض حاليا)؛
وعلى خلاف القواعد الآمرة التي يكثر تواجدها في القانون العام، فإن القواعد المكملة نجدها بكثرة في القانون الخاص وبالتحديد في مجال العقود، حيث تأتي لملء الفراغ الذي تتركه إرادة المتعاقدين.
فإذا كانت القاعدة الأمرة تكثر في القانون الجنائي والقانون العام ، فإن القاعدة المكملة على العكس من ذلك ، تكثر في القانون الخاص ، وهي توجد لتملأ الفراغ الذي تتركه إرادة المتعاقدين في القانون الخاص. ومن الأمثلة على هذه القواعد :
- القاعدة في بيع المنقول أن التسليم يجب أن يتم في محل البيع ، أي المكان الذي وجد فيه الشيء المبيع أثناء إبرام عقد البيع، غير أنه يمكن الاتفاق على أن يتم التسليم في مكان آخر.
- هناك قاعدة تقول : الكراء محمول لا منقول ، لكنه قد يصبح منقولا ، لا محمولا ؛ - قانون المسطرة الجنائية ( القانون الذي يوضح كيفية رفع الدعوة وطرق الطعن)،
- قواعد الاختصاص في قانون المسطرة المدنية تنص على أن النظر في القضايا من اختصاص القضاء، لكنه يمكن للأطراف المتنازعة أن يختاروا التحكيم عوض القضاء.
مدخل الى العلوم القانونية |
تعليقات
إرسال تعليق