مفاهيم ونصوص فلسفية شعبة علم الاجتماع الفصل الاول
تتشكل الأنا بوصفها ذاتا من خلال سيرورة الإقصاء فهي قوة نفي، ولكي تتشكل الأنا كذات يلزم إثبات مبدئية العقلي بالنظر إلى الحسي بما يقتضيه ذلك من تسييد اللذات كحكم يتحكم في مصير الكون. فالحكم هنا ليس من التأمل النظري في شيء ،بل إنه فعل بماهو تحديد لماهية الشيء كمدخل لتقرير صيغة استخدامه والتعامل معه. فلم تكن أطروحة "ديكارت" تقتصر على تحديد الحقيقة باعتبارها يقينا بل إن تحديدها ذاك ما كان له أن يستقيم دون علاقة المفاضلة بين المعقول والمحسوس مما سمح بمحاكمة العقلي للحسي باعتبار الأول شرطا للحقيقة والثاني باعثا على الخطأ؛ بل إن هذه المفاضلة هي الأصل البعيد لتشكل الأنا ذاتا۔ فاهمة تعبث بالأشياء وبمصائرها.
هكذا نتبين أن ادعاءات الذات بوصفها جوهرا عاقلا لايخلو من مغامرة بالنظر إلى مفاعيله العملية، فتحديد الأنا باعتبارها عقلا خالصا يترتب عليه مولد الذات باعتبارها إرادة وحرية هما شرح للحكم كتحكم في الكائن.
إنه مهما سجلنا من اختلافات بين "ديكارت" و"لايبنتز" فالثابت المشترك بينهما يظل هو تحديد الذات بوصفها وعيا حميميا مطلقا. وإذا كان الحدس العقلي والإستنباط كفيلين ببحث سؤال الحقيقة عموما وحقيقة الذات خصوصا عند "ديكارت" فإن طرح سؤال الحقيقة عند "لايبنتز" ارتهن بالإرث المنطقي الأرسطي الذي كان "ديكارت" يتفاداه لأسبابه الخاصة.
يقول "لايبنتز": "إن الأفكار العقلية التي هي مصدر الحقائق الضرورية ليس مصدرها الحواس أبدا". ثم يتابع: "لكن الأفكار التي تأتي من الحواس تكون غامضة وكذلك تكون الحقائق المرتبطة بها"(10). إن الحقيقة هي كذلك بما هي عقلية، لهذا كانت حقيقة الذات هي سيرورة تخليص الأنا مما هو حسي واختزالها أخيرا فيما هو عقلي، فالأنا تصير ذاتا أي "مونادا" (العنصر البسيط الذي تتشكل منه الكائنات، كما يقال أيضا عن الكائنات من حيث إنها مستقلة قائمة بذاتها مثل الإنسان، الأشجار، الأحجار، الحيوان، الله...) حيث "الموناد الذي نتحدث عنه هنا ليس شيئا آخرا غير جوهر بسيط يدخل في تشكيل المركب، إنه بسيط أي دون أجزاء"(11). كان "لايبنتز" يتحدث بشأن عموم الكائنات دون تمييز بعد، فكان أن حقيقة الكائن لاتتأتى إلا بتجريد خاصية التنوع فيه واختزاله في قوى رياضية منطقية وذلك ما يريده من قوله: "الحال أنه حيث ليس هناك أبدا أجزاء فليس هناك لاامتداد ولاشكل ولا إمكان لقابلية القسمة. وهذه المونادات (جمع موناد) هي الذرات الحقيقية للطبيعة، و عموما إنها عناصر الأشياء"(12).
لتحميل المحاضرات اضغط على الرابط أسفله
تعليقات
إرسال تعليق