جهة الغرب في الأسطورة والمتخيل الشعبي

 منطقة الغرب في الأسطورة والمتخيل الشعبي

تمثل الأسطورة أبرز تجليات المتخيل في المجالين الديني والاجتماعي، وهي نتيجة تماهي تاریخی بنائي بين التراث والوقائع التاريخية، حيث يلاحظ تشابها واضحا في الأنساق الميثولوجية عند مختلف الحضارات، فتتلاقى الخيوط وتتقاطع فيما بينها، ليغدو مسلمة تنطلق في مجملها من مكونات البيئة التي يمارس فيها الدين والعرف والتقاليد. وتعتبر الأسطورة من أكثر ظواهر الثقافة الانسانية عمقا وحضورا في الوعي الجماعي بمنطقة الغرب. فالأسطورة بوصفها حكاية تقليدية تلعب فيها الكائنات الماورائية أدوارا رئيسية، وجدت لنفسها مكانا مميزا في ذاكرة ساكنة منطقة الغرب، نظرا لما خلفته في مخيلتها من حكايا تنتمي في الغالب إلى عوالم واغلة في القدم. اسعف التقاطع بين الأسطورة والمتخيل حقلا دلائلي يحفل بزخم شديد من الإرث التاريخي والتراثي الذي تزخر به منطقة الغرب.

تعود أولى الروايات الأسطورية إلى الإله "بوسيدون" إله البحر الذي جاد على الواجهة الأطلسية باليابسة المتمثلة في سهل الغرب كعربون على قوته وشساعة نفوذه الذي كان يشمل البحر والبر. كما أن الإله أطلس هو الأخل "أفاض" عبر جنباته البحرية بيابسة "خصبة" لإخرجها من أعماقه وتعهد بتغذيتها عبر أودية وأنهار تنبع من قمم وتخترق هضاب وسهول الغرب وتروي الأرض والإنسان قبل أن تدخل مجال الآله بوسيدون الأطلنتي.

وشملت الأسطورة "نهر سبو الذي ينبع من الأطلس إلى المحيط الأطلسي. يتخذ النهر شكل الثعبان الذي يحمي مجال صراع الآلهة المقدس وتستمد منه الساكنة قوتها. كما أن النهر هو موطن القوى البحرية التي تنساب نحو اليابسة عبر المياه العدية للتغذى قبل أن تعود إلى أعماق بحر الظلمات. ولا تزال إلى اليوم مزارات وأماكن مقدسة تؤكد هذا التواصل بين المحيط والجبل عبر مواقع "للاعيشة البحرية" التي تنتشر في مواقع متعددة على طول نهر سبو.

وحيث إن منطقة الغرب هي مجال انتشار الغابة فإن الأسطورة تجعل منها مجال خاصا بالإلهة "دیان"Diane إلية الصيد والقنص وحامية الغابات العضراء. وهي أيضا تحت حماية الإله "باخوس" Bacchus إله الأرض والخيرات. وجعلت الأسطورة اشجار الفلين le chene لغابة المعمورة تحت حماية اللاه جوبيتر upiterر إله شجر الفلين. كما أنها تحت رحمة آلهة الحيواناتها "المقدسة" التي غذت خیال ولهفة الإغريق والرومان. وغابة المعمورة عي مجال العاج والعصفية وبها صخور جيتوليا لاستخراج المريق والأرجوان وتوجد بها أعشاب الأوفرب الذي يقوي البصر.

وتذكر الكتابات التاريخية أن غابات المعمورة أنها كثيفة "وعميقة ذات ظلال كثيفة ورائحة نافدة نظرا لتنوع أشجارها وأنواعها". كما أنها تتميز بإنتاجها لبعض النباتات الطبية مثل نبات الأوفورب Euphorbe الذي يستعمل عصيره ضد لدغ الأفاعي وكل السموم ويضيء البصر". وتنتج هذه الغابات أيضا زغبا خفيفا يساعد على استخلاص مادة الحرير. وتنتشر داخل أدغالها عيون مائية تساعد على نمو مراعي تعيش فيها الفيلة والخيول والحيوانات المتوحشة.

ويعتبر الإله تبنو Télipinu إله المرجات، فهو يحمي هذا المجال الميهي المحيط باليابسة من الجفاف وجعل منها موطن الرعي والإرتواء خلال فتراق القحط. كما أن هذه المجالات الرطبة هي موطن القوى الخفية التي تتخذ منها مساكن لا تبارحها إلا ليلا وتعود إليها قبل سطور نور الفجر. ولا تزال الساكنة المجاورة للضايات و المرجات تتحاشها ليلا حتى لا تصطدم مع الأرواح الليلية

تستمر الأسطورة في تأثيث الفضاء الغرباوي إذ تشير الروايات المتداولة بين ساكنة المنطقة أن الولي مولاي بسلام كان يتجول بصحبة الولي عبد الرحمن الأزرق عند شاطئ البحر، شاهدا رجلا يلقي شبكته في البحر، فقال بوسلهام لصاحبه : ألا تعرف من هذا الرجل الذي يصيد؟ لو أني علمت بشفاء عبد الجليل (الطيار لقلت إنه هو بنفسه". وكان الرجل فعلا هو سيدي عبد الجليل الطيار. سأله مولاي بوسلهام " ماذا تفعل هنا ؟ رد عليه الطيار: "أصيد السمك بالصنارة" قال له بوسلهام : "أدخل يدك في الماء وأمسك بالأسماك بدون صنارة". إن هذا النموذج من الحكايات التي لا تزال تغذي خيال الساكنة المحلية بالغرب.

استمر الأسطورة في تغذية المتخيل الشعبي الغربواي حتى أوساط القرن العشرين مع دخول المغرب فترة الحماية الفرنسية. وتتداول أحاديث الساكنة المحلية "معجزات المقاومين الذين واجهوا القوات الفرنسية بأسلحة فاقت فاعلتها قوة الأسلحة النارية التي حملها معهم الجنود الفرنسية. وتناولت الساكنة الغرباوية كرامات الأولياء والصلحاء الذين يؤثثون المجال الغباوي وقدراتهم الخارقة عبر الزمان والمكان والتي لا يزال الناس يؤمنون بها عبر تنظيم زيارات ومواسم متكررة وفق الحاجة إلها.

كلية الاداب والعلوم الانسانية ابن طفيل
الغرب في الأسطورة والمتخيل الشعبي


لا يزال التفكير الأسطوري مسترسلا لدى الساكنة الغرباوية ما بين التي تحتفل بإله الخيرات اللاحية، باخوس عبر "حفل بوجلود الذي تعرفه جل الدواوين خلال فترة عيد الأضحى. وهو تقليد يراد منه شكر القوى الخفية والتبرك بخروقاتها التي تتجاوز التفكير الديني. وتظهر استمراية التفكير الأسطور في حفل تاغونجة الذي لاغنجة" أو "تسليت ن أنزار": هي عبارة عن ملعقة خشبية أو مسحاة يلبسونها لباس العروس، ويحملها الأطفال ويطوفون بها وهم يطلبون الغيث. وهو معتقد قديم في المناطق المغاربية خاصة في المناطق الأمازيغية ؛ فحسب الأسطورة في "أنزار" هو إله المطر الذي أطل ذات يوم إلى الكون، فرأى فتاة جميلة وأراد أن يتزوجها، لكن القيمة تلك الفتاة عند قومها رفضوا طلبه، فأمسك عنهم الغيث لمدة، إلى أن وصلوا لدرجة من القحط، وأصبح الجميع مهددا بالموت وليعود عطف إله المطر عليهم، سيقدمون له تلك العروس كقربان وقد كان قوس قزح -حسب الأسطورة- هو الطريق الذي سلكه أنزار ليحمل عروسته معه.

مواضيع ذات صلة 


تعليقات