المواقع الاثرية بمنطقة الغرب المحاضرة التانية

 منطقة الغرب : الموقع الجغرافي ومعطياته الطبيعية والبشرية

أ- الموقع الجغرافي:

 استمدت منطقة الغرب تسميتها من موقعها الجغرافي ، إذ تتموقع بالجهة الغربية للمملكة المغربية، مطلة بذلك على المحيط الأطلسي، فحسب الدراسات الجغرافية يمتد هذا المجال من تلال مقدمة الريف شمالا إلى غابة المعمورة جنوبا ، ومن ممر زكوطة شرقا إلى المحيط غربا . وقد عرفت المنطقة عبر التاريخ بتسميات مختلفة منها منطقة الهبط وأزغار( وهي كلمة أمازيغية تعني السهل والانبساط)، ويوجد الهبط بالضفة اليمنى لنهر سبو بينما يوجد ازغار بضفته اليسرى . 

وقد استوطنت المنطقة مجموعات بشرية منذ فترة ما قبل التاريخ، ومارس بها الإنسان مجموعة من الأنشطة كالالتقاط والقنص و الصيد والزراعة وتدجين وتربية الحيوانات... بفضل عامل أساسي يتمثل في العامل الطبيعي، إذ اشتهرت المنطقة على مر العصور بخصوبة تربتها ووفرة غطائها النباتي الغني والمتنوع وهذه الخاصية أشارت لها العديد من المصادر الكلاسيكية القديمة، ثم وفرة المياه بشقيها: السطحية ( نهر سبو وروافده المرجات...) والباطنية (الفرشات المائية المنتشرة بمعظم جهات الغرب).

لقد مثل هذا العامل حجر الزاوية في استقبال المنطقة منذ عهود موغلة في القدم هجرات مكثفة طعمت الساكنة المحلية ، فقد وفد على المنطقة الفينيقيون والقرطاجيون والرومان ثم العرب مع أسلمة المغرب الأقصى خلال الفترة الوسيطية ، وأخيرا الفرنسيون مع الحركة الاستعمارية التي دشنوها في شمال إفريقيا باحتلال الجزائر خلال النصف الأول من القرن التاسع عشر ثم المغرب بداية القرن العشرين. وبذلك شكلت المنطقة نقطة جذب بشري بامتياز

المواقع الاثرية جهة الغرب
خريطة تضاريس منطقة الغرب، نقلا عن " منطقة الغرب: المجال والإنسان"، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالقنيطرة،1997، ص: 13 .

ب- التكوين الجيولوجي والبنيوي لمنطقة الغرب:

 تعتبر منطقة الغرب مجالا سهليا بامتياز إذ لا تتعدى ارتفاعاتها 30 متر على المستوى الطوبوغرافي، وتتكون من وحدات بنيوية متباينة، إذ نجد شمالا تلال مقدمة الريف التي ارتبطت في تكوينها بالحركات التكتونية الألبية ( أي في نفس فترة تكون جبال الألب بأوربا ) صخورها شديدة الصلابة وتنتمي للزمن الجيولوجي الثاني والثالث ( حقبة الميوسين )، ويطلق عليها أيضا الغرب الأعلى ، وتقسم حسب الجغرافيين إلى ثلاث أقسام هي: الغرب الأعلى الغربي والغرب الأعلى الأوسط والغرب الأعلى الشرقي ، وتشرف في مجموعها

على السهل الشاسع ، وتختلف حسب تكوينات صخورها وأيضا ارتفاعاتها. أما جنوبا، فترتمي هضبة المعمورة (الهضبة الوسطى) المكونة من كتل مرتفعة ذات بنية صخرية قديمة ، وتنحدر بانتظام من الجنوب نحو الشمال ، وتعود تكويناتها الجيولوجية في مجملها إلى الزمن الأول، وتنحصر هذه الهضبة بين هضاب زرهون جنوبا وسهل الغرب شمالا ، وهي عبارة عن هضبة متموجة ذات انحدار عال من الجنوب نحو الغرب والشمال . وعليه فكلما توجهنا نحو الجهة الغربية إلا واصطدمنا بأشرطة من الكثبان الرملية المختلفة الأعمار الجيولوجية ، ويخترقها وادي سبو غرب مدينة القنيطرة ، وتتدرج هذه الكثبان من الزمن الحديث نحو القديم، كلما تزغلنا من الساحل نحو الداخل.

أما سهل الغرب الذي تقدر مساحته بحوالي أربعين بالمئة من المساحة الإجمالية لمنطقة الغرب ككل ، فيأخذ شكل منخفض ويعود تشكيله الجيولوجي إلى الزمن الرابع ، ولا تتعدى ارتفاعاته خمسة أمتار ويتخذ شكل أخدود، أي منحدر به رواسب بحرية تعود للزمن الثالث نتيجة تعرضه لغمر بحري. وداخل هذا السهل نفسه يمكن التمييز بين ثلاثة مستويات: فهناك السهل المنبسط الذي يشكل منخفضا حيث تتجمع مياه النهر الرئيسي سبو وروافده ، ثم هناك مجال المرجات ( مرجة سيدي بوغابة ومرجة الفوارات والمرجة الزرقاء )، وتشكل في مجموعها حوالي خمسة عشر في المئة من مجال السهل ككل . وتشكل مناطق بيئية هشة، وهي عبارة عن منخفضات مغمورة بالمياه إما بصفة دائمة أو مؤقتة . أما المستوى الثالث فتمثله المرتفعات الغرينية (أي حمولات النهر الرسوبية الموجودة على ضفاف الأودية، والتي تكونت نتيجة الفيضانات المتعاقبة لوادي سبو وروافده ، وهي مناطق جد خصبة تتلاءم مع جل الزراعات وعليه فمنطقة الغرب تشكلت على المستوى الطوبوغرافي من وحدات مختلفة بدءا بالسهل فالهضبة والتلال والمرجات والكثبان الرملية والمرتفعات الغرينية المرتبطة بالأودية وأخيراالساحل الأطلسي .

المواقع الاثرية بمنطقة الغرب
خريطة التكوين الجيولوجي لمنطقة الغرب نقلا عن منطقة الغرب المجال والانسان منشورات كلية الاداب والعلوم الانسانية بالقنيطرة 1997 ص 14

تنضاف لكل هذه المكونات شبكة هيدروغرافية جد مهمة ، ويشكل نهر سبو الذي ينبع من جبال الأطلس المتوسط ويصب بالمحيط الأطلسي أهمها على الإطلاق ، إذ يعتبر من أكبر أنهار المغرب دائمة الجريان بطول يصل إلى حوالي 460 کیلومتر (458 كلم)، ويتغذى من روافده المتعددة كوادي ورغة ووادي ردوم ووادي بهت (وقد وصفه بلينيوس الأقدم في مؤلفه التاريخ الطبيعي بالنهر الصالح للملاحة). 
وتقدر مساحة حوض هذا النهر بحوالي أربعين ألف كيلومتر مربع تزود السهل بثروة مائية تصل حوالي سبع مليار متر مكعب ، أي ما يعادل سبعة وعشرين بالمئة من مياه المغرب ككل. ونظرا لوفرة الثروة المائية بالمنطقة واستقبالها لتساقطات مطرية سنوية مهمة رغم توزيعها غير المنتظم (ما بين 800 مم و600 مم)، فقد شيدت العديد من السدود (سد الوحدة نموذجا ) لدرء مشاكل الفيضانات التي تجتاح المنطقة في كثير من الأحيان وتخلف خسائر جد جسيمة. وإلى جانب هذه الثروة المائية السطحية تتمتع المنطقة بمياه باطنية عبارة عن فرشات غنية بالمياه العذبة التي تستغل في الاستعمالات اليومية وفي السقي . 
أما على مستوى المناخ ، فمنطقة الغرب تنفرد بجمعها بين مناخات متباينة تتمثل في المناخ المتوسطي والأطلسي والقاري، إذ أن تموقعها بالجهة الشمالية الغربية للمملكة جعلها تستفيد من خاصية المناخ المتوسطي الآتية تياراته من الشمال ، كما تنفتح غربا على تيارات المحيط الأطلسي التي تمدها بمناخ شبه رطب ، أما جنوبها الشرقي فيتمتع بمناخ شبه جاف بفعل التأثيرات القارية الداخلية ( مناخ سيدي قاسم نموذجا) . وتترجم هذه الحالات الثلاث من خلال عناصر المناخ وهي : مستوى الحرارة ومعدلات التساقطات والثروة النباتية وسرعة الرياح ونسبة الرطوبة .
تستقبل المنطقة كميات من التساقطات تتراوح ما بين 800 مم و600 مم سنويا ، إلا أن هذه التساقطات تعرف توزيعا غير منتظم ، إذ تتدرج من الغرب نحو الشرق محكومة بالتأثيرات القارية من جهة والبحرية الشمالية والغربية من جهة أخرى. 
د- الغطاء النباتي بمنطقة الغرب: 
تزخر المنطقة بثروة نباتية مهمة تمتاز بالغنى والتنوع ، فمنذ القدم استرعت انتباه الوافدين، إذ نجد العديد من الإشارات المصدرية القديمة الإغريقية واللاتينية تشير إلى هذا المعطي
( سترابون ، بلينيوس ...)، وأيضا إشارات المصادر الوسيطية والحديثة . وعموما، يعرف هذا الغطاء توزيعا متفاوتا منذ الفترة القديمة إلى المعاصرة، وقد أشارت التقارير الاستعمارية إلى أن المنطقة عبارة عن مساحات خصبة تتخللها غابات كثيفة ونباتات مختلفة الأنواع. وتعتبر أشجار البلوط الفليني أهم ثروة غابوية اشتهرت بها المنطقة منذ القدم، إذ كثر الطلب على أخشابها لصناعة السفن بالدرجة الأولى إضافة إلى نبات الدوم والعديد من النباتات العطرية والطبية .
أما عن الثروة الحيوانية فقد أسهبت مصادر جل الفترات في الحديث عن غنى المنطقة بها، بدءا بالفترة القديمة حيث سادت قطعان الأبقار والفيلة والماشية بكل أنواعها. وتحدثت المصادر الوسيطية عن سيادة النظام الرعوي والانتجاع لدى قبائل المنطقة، في إشارة إلى غنى المنطقة بالثروة الحيوانية المستأنسة. 
كما تم استغلال نهر سبو وروافده منذ القدم من أجل التنقل وصيد أنواع الأسماك، واستغلال الثروة الغابوية المحلية لصناعة السفن خلال الفترة الوسيطية والحديثة (المعمورة وميناؤها نموذجا). 
هـ - التركيبة السكانية لمنطقة الغرب عبر الفترات التاريخية:
 ربطت معظم الدراسات المهتمة بالمنطقة بين مؤهلاتها الطبيعية المتمثلة في خصوبة التربة وتنوع الغطاء النباتي وثروتها المائية وبين الاستقرار البشري بها لأن هذه المعطيات شكلت عوامل جذب بامتياز حيث استقرت بهذا المجال مجموعات بشرية منذ عهود موغلة في القدم ترجع حسب الأبحاث الأركيولوجية التي همت المنطقة إلى فترة ما قبل التاريخ، إذ شجع هذا العامل على الاستقرار فاستوطنتها مجموعات بشرية محلية أمازيغية مورية كقبيلتي البنيورين والزكرنتيين ، واستنتج بعض الباحثين أن اسم القبيلة الثانية ربما اشتق من الكلمة الأمازيغية " أزكر" التي تعني الأبقار، أو ربما تعني أيضا "أز غار"، أي مجالات الرعي في المناطق السهلية. كما أن العثور على بعض اللقى الأركيولوجية ببعض جهات المنطقة يوحي باستقرار موغل في القدم ( أدوات من حجر الصيوان).
لقد اجتذبت مؤهلات المنطقة أيضا شعوب البحر الأبيض المتوسط، فارتادها الفينيقيون خلال رحلاتهم التي قادتهم حتى جزيرة كرني (الصويرة) بالجنوب المغربي، وبعدهم القرطاجيون منذ القرن الخامس قبل الميلاد مع الرحالة حانون (Hannon) الذي أسس حسب تقرير رحلته مستوطنة تيمياتريون (Thymiaterion) إذ يقول: "بعد أن اجتزنا الأعمدة وأبحرنا لمدة يومين أسسنا المستوطنة الأولى التي حملت اسم تمیاتريون وكانت محاطة بسهل كبير". وبعدهم وصل الرومان الذين أخضعوا المغرب القديم سنة 40 ميلادية بعد مقتل الملك بطلموس، فعمل هؤلاء الوافدين على توطين فيالق رومانية بمنطقة الغرب عبر إقامة حاميات عسكرية لتنطلق عملية التعمير من طرف الوافدين الجدد إلى جانب الساكنة المحلية وأصبح المغرب القديم يحمل اسم موريطانيا الطنجية، فأقامت روما جملة من المدن مجتذبة بمقومات المنطقة الطبيعية كمدينة بناصا (Banassa) وتموسیدا (Thamusida) وريغا (Rirha)
على أنقاض مدن محلية (قدم التمدين ومحليته). 
أما خلال العصر الوسيط الأعلى فقد اجتذبت المنطقة اهتمام الأدارسة حسب بعض مصادر الفترة، فأقيمت مراكز حضرية كالبصرة. لتفد أواخر القرن 12 ميلادي/6 هجري موجات بشرية هجرت من الشرق عبر مراحل وتمثلت في بعض القبائل العربية كقبيلتي رياح والخلط في إطار الهجرات التي توافدت على الغرب الإسلامي، ويعتبر مؤلف حسن الوزان ، الملقب بليون الإفريقي " وصف إفريقيا" مصدرا مهما لدراسة ساكنة الغرب حيث يستنتج منه أن المنطقة عرفت تعميرا نشيطا لكنه كان متفاوتا عبر الزمن، وذلك بسبب الاضطرابات السياسية والاجتماعية التي صاحبت انهيار الدولة الموحدية وقيام الدولة المرينية، وعليه فتعمير منطقة أزغار يعود إلى عهد الخليفة الموحدي المنصور الذي أسكن به أعرابا من الخلط ثم أضيفت لهم في ما بعد قبائل من بني هلال كقبيلة سفيان وقبائل من بني معقل كقبيلة بني احسن وقبيلة المختار وقبيلة كنانة، ثم قبيلة بني حكيم. وعليه فالمنطقة استوعبت فروعا تنتمي في مجملها إلى القبائل الثلاث التي دخلت الشمال الأفريقي عبر محطات بعدما هاجرت من بلاد المشرق. 
أما خلال الفترة الحديثة، أي مع بداية الدولة السعدية في القرن 16 للميلاد، فقد انضافت قبائل أخرى كانت مساندة للدولة الفتية إلى هذه التشكيلة القبلية مثل قبيلة جزولة وأولاد مبارك وقبيلة جرار وقبيلة الأوداية. وقد كانت كلها قبائل جندية للسعدين، وخلال بداية حكم العلويين حافظت المنطقة على هذه التشكيلة القبلية وطعمت بعناصر أخرى في إطار الهجرات الداخلية بين مناطق المغرب أما خلال الفترة المعاصرة، فقد اهتمت سلطات الحماية الفرنسية بمنطقة الغرب، إذ استأثرت باهتمام المعمرين الجدد بسبب مؤهلاتها الطبيعية إلا أن مشكل المياه شكل عائقا لفترة طويلة حال دون استغلال جيد لهذا المجال الغني بفعل انتشار المرجات والمستنقعات ما استدعى بذل جهود كبيرة من أجل تجفيف واستصلاح الأراضي تم استغلالها في ما بعد. من جهة أخرى واجهت السلطات الفرنسية مشكلة تثبيت الإنسان في المجال ، ولتحقيق هذا الهدف
عملت جاهدة على توفير الأمن ليتفاعل الإنسان مع محيطه بشكل أفضل، فظهرت لنا مع بداية الحماية الفرنسية حواضر جديدة كانت قبلا تجمعات سكنية، وتعتبر مدينة القنيطرة أهم نموذج لتلك الحواضر.

المحاضرة الثالثة
المحاضرة الرابعة
المحاضرة الخامسة
المحاضرة السادسة
المحاضرة السابعة
المحاضرة الثامنة

تعليقات