المغرب في القرن 19

المغرب في القرن 19

المحور الأول: التدخل الأوروبي خلال القرن 19م الأشكال والوسائل:
تميزت وضعية المغرب خلال القرن 19م بما يلي:
على المستوى الداخلي:
عمل المولى سليمان (1790-1822) على اتخاذ مجموعة من التدابير الإصلاحية سواء على المستوى الاجتماعي أو السياسي او المالي. هذه الإصلاحات مست مصالح مجموعة من القوى، خاصة شيوخ الزوايا، هذه القوى عارضت محاربة السلطان لزيارة القبور وما يرتبط بها. وعلى مستوى الضرائب سيلقى هذا الإصلاح معارضة من شيوخ القبائل كعبدة ودكالة وأيت امالو، ستدفع السلطان للقيام بحملات تأديبية لإخضاع هذه القبائل، إلا أن هذه الحملات لم تعرف النجاح بشكل كامل حيث سيتعرض السلطان للهزيمة بل وصل به الأمر إلى أسره في إحدى المعارك خاصة من طرف قبيلة أيت أمالو، وبعد 3 أيام من الاعتقال سيتم إطلاق سراحه (انظر كتاب الجيش العرموم الخماسي في دولة أولاد مولانا أحمد السجلماسي لمحمد بن احمد الكنسوسي). أمام هذا الوضع سيضطر السلطان الى التنازل عن الحكم لابن أخيه عبد الرحمان بن هشام.
على المستوى الخارجي:
في بداية القرن 19م لم يكن المغرب يحظى باهتمام كبير لدى الأوروبيين لانشغالهم بالحروب النابليونية إلى حدود 1815م. كانت العلاقات المغربية الأوروبية تتجنب أسباب الصدام مع القوى الصاعدة، لكن مع بداية 1815م سيحدث تقارب مع فرنسا، فمن جهة كانت فرنسا تعمل على استعادة مصالحها التجارية بالمغرب ومن جهة أخرى كان السلطان في حاجة للدعم الأوروبي من أجل مواجهة التمردات الداخلية. وللاطمئنان والتعبير عن حسن النية لدى الأوروبيين قام المولى سليمان بوقف عمليات الجهاد البحري وتفكيك الاسطول وتعطيله سنة 1817م كما سمح بتصدير الحبوب. كان يهدف السلطان من هذه الإجراءات تفادي الصدام مع القوى الأوروبية وفتح باب المغرب أمام التجارة بعد سياسة الاحتراز التي نهجها. استمر الوضع كما كان عليه مع بداية حكم عبد الرحمان بن هشام (1822-1859).
في بداية هذه المرحلة كانت العلاقات المغربية مع أوروبا لا تشكل خطرا على السيادة المغربية فاقتصرت على المجال التجاري، لكن الامر سيتغير بعد سنة 1830 حيث سيشكل احتلال الجزائر بداية تعرض المغرب بشكل مباشر للتدخل الاوروبي خاصة الفرنسي وبعده الاسباني.
1. الضغوط العسكرية: معركة إسلي ومعاهدة للا مغنية. بعد السيطرة الفرنسية على الجزائر، انطلقت المقاومة الجزائرية ومن أبرزها مقاومة الأمير عبد القدر الجزائري، هذا الأخير وبحكم الجوار والأخوة لقي الدعم من المغاربة سلطة وشعبا مما سيشكل خطرا على فرنسا ليس كمستعمر فقط بل كمستوطن، لذلك ستعمل على استغلال أي فرصة لقطع هذه العلاقة بين المقاومة الجزائرية والمغاربة بل وتوسيع نفوذها على حساب المغرب. استغلت فرنسا المناوشات التي حدثت بين القبائل المجاورة لمنطقة للا مغنية والقوى الفرنسية التي دخلت المنطقة لتشن حربا على المغرب عرفت بمعركة إيسلي. انهزم فيها المغرب بشكل سريع لاعتبارات عدة منها: - غياب الاستعداد الكافي للحرب. - غياب تنظيم محكم. - اعتماد المغاربة على جيش غير نظامي مقابل قوة عسكرية فرنسية نظامية تتوفر على أسلحة حديثة رغم قلة عددها (3000 جندي فرنسي مقابل 4000 جندي مغربي). أمام هزيمة المغرب في هذه المعركة، اضطر السلطان عبد الرحمان إلى توقيع معاهدة صلح تضمنت 8 شروطا مجحفة بالإضافة الى ديباجة نشير إلى أهمها: الشرط الأول: "... فعساكر سلطان مراكش المجتمعين لغير عادة في الحدود او قريب منها يؤمر بالتفريق في الحين ويأمر الان ان يقطع اجتماع في ذلك النواحي ولا يبقى منهى أكثر من عدد ألفين من الرجال يلزموا في تقدير الصلح وحفظ المحادي، وإذا كان يلزم لسلطان مراكش المغرب زيادة عدد الجيش بذلك النواحي فيعرف به سلطان فرنسا حتى يتفق امرهم على ذلك فيفعل ..." اتحاف اعلام الناس لابن زيدان الجزء الخامس- ص: 191 مكتبة الثقافة. الشرط الثاني: "... وان يأمر سلطان المغرب بالمعاقبة لقواده الذين حاربونا أو تركوا من يحاربنا في إيالتنا في وقت الصلح، وتعدوا على جيش الفرنسيس... " إتحاف اعلام الناس. يتضح من خلال الشرطين أن المغرب أصبح ملزما بحماية حدوده مع الجزائر المحتلة بل أنه يتحمل مسؤولية أي هجوم أو اعتداء على القوات الفرنسية على الحدود وقطع الامداد والدعم عن المقاومة الجزائرية كما سيوضع في الشروط الموالية وخاصة الشرط الرابع.
الشرط الثالث: هو أن: " سلطان مراكش يضمن ان لا يأمر بإعانة أحد من رعيتنا الذي يقوم عليها، وكذلك لا يعين أحدا ممن هو من أعدائنا سلاحا ولا شيئا من آلات الحرب." نلاحظ أن هذا الشرط وضع وفصل ضرورة امتناع المغرب عن دعم المقاومة الجزائرية بأي شكل من الاشكال بل أن الشرط منعه من احتضان هذه المقاومة. الشرط الرابع: في هذا الشرط تحدد فرنسا المعني بالشرط الثالث. والذي ستعتبره خارجا عن الشرعية: " فالحاج عبد القادر بن محيي الدين هو خارج من حكم الشريعة في إيالة المغرب وإيالة الجزائر، فعلى ذلك يضربون عليه في بلاده وكذلك إذا هو في سلطان إيالة مراكش، فرعيته يضربون عليه بالبارود حتى يطردونه ويخرجونه من بلادهم". يتضح جليا ان فرنسا تضمنت هذا الشرط، ما يمنع المغرب من دعم الأمير عبد القادر من طرف المغرب أو يجعل المغرب في مواجهة القوات الفرنسية، وبما أن المغرب آنذاك غير قادر على ذلك فسيخضع لشروط هذه الاتفاقية وسيعمل على تنفيذ هذا البند إذ سيصبح المغرب محاربا للأمير عبد القادر في الوقت الذي كان يأويه ويسانده. وقد تضمن هذا الشرط كذلك مصير الأمير عبد القادر في حالة الأسر وقد جاء فيه: "وإذا تقبض عليه واحد من الجانبين، فإذا كان من تحت يد الفرنسيس فتضمن سلطان فرنسا بأن يتكلم عليه ولا يضره وإذا كان تحت يدي جيش سلطان المغرب فيأمر بإرساله الى مدينة من مدائن السواحل من نواحي المغرب حتى يصير بين الدولتين الاتفاق في شأنه لكيلا يتجدد من جهة الحرب مرة أخرى معنا وكدلك لئلا يقطع الصلح بين مع المهادنة بين الدولتين" وتركز فرنسا على مصير عبد القادر في حالة أسره حتى لا يعود إلى الحرب مرة أخرى وحتى تنتهي المقاومة. الشرط الخامس: وهو شرط تضمن طريقة تدبير الحدود فقط ونص أولا على: " أما الحدود التي بين المغرب وإيالة الجزائر فيبقوا مثلما كانوا معلومين ومعروفين بين المغرب في عهد توليه أرض الجزائر" (أي الحدود التي كانت بين المغرب وإيالة الجزائر لما كانت تحت النفوذ العثماني وهو واد تافنا.) "على أن يجري الأمر في هذا الشرط وسيسموا أمر الجانبين نوابا" أي يعين الطرفين نوابا عنهم لتحديد الحدود." ويأمرونهم بالمسير إلى هذه الحدود ويحصرونهم هناك ويتفاصلوا بينهم في ذلك ويجعلوا شرطا مخصوصا على هذه الحدود ولازم سلطان المغرب أن يرضى في هذا ويخبر لسلطان فرنسيس بما فعل في هذه النازلة..." إذا كان هذا الشرط قد أبقى الحدود على ما كانت عليه فقد تضمن في نفس الوقت إجراءات رسم الحدود والتي يتضح من خلالها أن فرنسا ستعمل على ترسيم حدود تخدم مصالحها، خاصة وأن هذا الشرط يحدد ممثلين عن فرنسا والمغرب ويمنحهما الصلاحيات في رسم الحدود التي ستصبح ملزمة للطرفين، وهنا نشير إلى أن فرنسا ستعمل على استمالة الممثل المغربي بتقديم رشاوي له وذلك تطبيقا لما ألح عليه كل من الديبلوماسي الفرنسي ليون روشي والقنصل العام الفرنسي بـ طنجة دوشاستير حيث وجه هذا الأخير بلاغا إلى حكومته ورد فيه: " إن التعامل مع المسلمين لا يجب أن يكون مثل التعامل مع البلدان المسيحية ... فلكي يتحقق النفوذ الفرنسي في هذه البلاد هناك وسيلتان: الحرب أو السياسة. وبما أن الحكومة تتجنب الحرب مع المغرب فلم يبقى إلا الحل السياسي الذي يعمد على استمالة رجالات المخزن واستقطابهم" وبتطبيق هذه السياسة استطاع المفاوضون الفرنسيون استمالة الممثل المغربي حميدة بن علي الشجعي عامل وجدة والكاتب أحمد الأخضر اللذان كلفا من طرف السلطان المولى عبد الرحمان بن هشام بتحديد الحدود وتحقيق اتفاقية للا مغنية.
الشرط السادس: يهم هذا الشرط تفصيل عملية المفاوضين والإجراءات والهدف من تطبيق الشرط الخامس، وقد جاء فيه ما يلي: " وفي الحين الذي يصنعون النواب المكلفين بأوامر سلطانهم طوابعهم على هذه القوانين فتقطع العداوة بين الدولتين ولا يبقى بينهما قتال ". أي أن تحقيق البند السادس الذي هو إيقاف الحرب رهين بالتوقيع والمصادقة على الشرط الخامس الذي يتضمن ترسيم الحدود بين الطرفين ويضيف الشرط السادس الإجراءات التي على الطرفين القيام بها بعد تنفيذ الشرط الخامس. " وكذلك في الوقت الذي يجري فيه سلطان مراكش أمرا بالوفاء ونعاين الوئام ويرضى سلطان الفرنسيس، في ذلك الحين يخرجون من جزيرة الصويرة وكذلك من وجدة ويردون الاسارى الذين بين الدولتين " أي أن اتفاق الصلح لا يصبح تاما وملزما إلا بتطبيق البند الخامس في تحديد الحدود واعتراف سلطان المغرب وموافقة سلطان فرنسا على ذلك ومن تم تنسحب فرنسا وتسحب قواتها من ميناء الصويرة ووجدة. الشرط السابع: نص على: " أن النواب من الدولتين يصير الاتفاق بينهم على عقد شروط جديدة على وجه جميل وفي وقت قريب ويتأسس على الشروط السابقة المقررة بينهم وأسباب تجديد عقدة الشروط وذلك على نقطة الخير بين الجانبين والنفع في التجارة زمن الان الى أن تجددوا هذه الشروط، تبقى هذه الشروط المتقدمة موقرة ومحترمة في كل شيء، وجنس فرنسيس في كل شيء وفي كل حالة يكون مقبولا بالانغام والمحبة كما هو الجنس العزيز من سائر الاجناس" أي أن فرنسا تؤكد في هذا الشرط على وتعمل على حماية مواطنيها في المغرب قبل أن يسري مفعول الصلح المرتبط بتطبيق الشرط الخامس، خاصة وأن قواتها لازالت بمدن مغربية. الشرط الثامن: هو أن: " سلاطين الجانبين يرضوا ويكون منهم الوفاء في هذه القوانين المذكورة وفي نسخة منه بطابع سلطان المغرب يأخذها سلطان فرنسيس، ونسخة أخرى بطابع سلطان فرنسا ويأخذها سلطان المغرب. ولابد في كون هذه المدة في شهرين والنواب المذكورين يصنعون من الآن طوابعهم وأسمائهم وهذا بتاريخ 10 شتنبر 1844م/ 2 شعبان 1260هـ" صح من أصله، محفظ في المكتبة الزيدانية على ما به من تحريف وركاكة. بتوقيع معاهدة الصلح 10 شتنبر 1844م، أوقف السلطان المغربي دعمه للأمير عبد القادر واعتبره خارجا عن القانون كما جاء في الشرط الرابع، لكن هذا الأخير تجاهل مقتضيات هذا الاتفاق واستمر في مقاومة الفرنسيين انطلاقا من التراب المغربي بمساعدة قبائل الريف، الامر الذي أثار مخاوف المخزن المغربي من تأسيس الأمير لإمارة مستقلة بالريف وكذلك من انتقام فرنسا لعدم التزامه ببنود الاتفاق. وتبدو هذه المخاوف واضحة في الرسالة التي بعث بها سفير المغرب بـ باريس أشعاع إلى وزير الشؤون الخارجية الفرنسي جيزو Juizot حيث جاء فيها: " ومنذ ذلك أمر الحاج عبد القادر فإن ضربه الأمر علينا وافساده في إيالتنا أكثر وأعظم منه عليكم إذ لا يخفى أنه أفسد قبائل الإيالة وصدها عن الخدمة وغررها بما يظهر بالسعي في الجهاد وخدعهم بترهاته واستمالهم بسحره، وسيدنا ليس بغافل عنه ولا بمتهاون بأمره، ولا يخفى عليكم أن سيدنا كلف عمال تلك الناحية بالسعي في فسخ عقده والحرص على إخراجه م
ن وطرده. ولو قابله عمال سيدنا بالقتال فذلك مراده لان تلك القبائل تلتف عليه وتشد فيه ويصعب أمرها بصعوبة جبالها، وغير خاف عليكم فساد قبائل الريف ومن والاهم وعدم استقامتها في القديم، فاستعمال السياسة أولى بتخديل الناس عنه وتزهيدهم عيه حتى يبقى وحده ولا يقبله أحد ويخرج بلا مشقة ولا تعب، فمن تمام المصافات اسقاط شرط إخراجه لأن غرضنا دوام المصالحة وخلوص المحبة معكم". رسالة بتاريخ 6 يناير 1846، الموافق لـ 7 محرم 1362، خالد بن الصغير (المغرب في الأرشيف البريطاني. ص 137). عمل المغرب على مطالبة الأمير عبد القادر على تنفيذ الشرط الرابع من اتفاقية الصلح مما اضطر الى الفرار الى ما وراء واد ملوية ليستسلم بعد ذلك في دجنبر 1847م للقوات الفرنسية التي ستقوم بنفيه في البداية إلى فرنسا وبعدها، ستسمح له بالرحيل الى بورصة بالأناضول ليستقر فيما بعد بـ دمشق.
معاهدة للا مغنية: كشفت هزيمة إيسلي عن ضعف مغربي وتوقيع اتفاقية الصلح، وتطبيقا لما جاء في الشرط الخامس، تم عقد اتفاقية للا مغنية يوم 18مارس 1845م والتي تتعلق بترسيم الحدود بين الطرفين. وقد اعتمدت فرنسا سياسة استمالة ممثل المخزن لتحقيق أهدافها من وراء ترسيم الحدود، فقد جاء في رسالة من القنصل الفرنسي بـ طنجة "دوشاستير" في بلاغ وجهه إلى حكومته: " فلكي يتحقق النفوذ الفرنسي في هذه البلاد هناك وسيلتان: الحرب أو السياسة. وبما أن الحكومة تتجنب الحرب مع المغرب فلم يبقى إلا الحل السياسي الذي يعمد على استمالة رجالات المخزن واستقطابهم". وبتبني هذه السياسة استطاع المفاوضون الفرنسيون استمالة الممثل المغربي حميدة بن علي الشجعي عامل وجدة والكاتب أحمد الأخضر اللذان سقطا في اغراءات ممثلي فرنسا مقابل تنازلهم عن العديد من المناطق خلال ترسيم الحدود، لذلك جاءت اتفاقية للامغنية في صالح فرنسا الاستعمارية في الجزائر وحرمت المغرب من أجزاء من من ترابه، فقد قسمت المعاهدة الحدود الى ثلاثة مناطق (انظر خريطة معاهدة للامغنية): - الجزء الأول: جدود عينت بدقة من دينة طريفة على البحر المتوسط إلى ثنية الساسي، حيث أصرت فرنسا على تحديد هذه المنطقة بدقة لتحرم المغرب من أراضيه الممتدة غرب واد تافنا كحد سابق بين المغرب وإيالة الجزائر. - الجزء الثاني: من ثنية الساسي إلى فكيك لم تحدد بدقة لكنها اعتمدت القبائل التابعة للبلدين مع الإبقاء على حرية هذه القبائل. - الجزء الأخير: بعد فكيك، ظلت بدون تحديد ولا ذكر للقبائل حيث جاء في الشرط الرابع لاتفاقية للا مغنية:" إن أهل الصحراء لا حد فيها بين الجانبين لكونها لا تحرث وإنما هي مرعى فقط لعرب الإيالتين". انظر شروط الاتفاق عند ابن زيدان. يتضح من خلال شروط هذا الاتفاق أن فرنسا جردت المغرب من أراضيه بالقسم الشمالي، كما تضمنت الاتفاقية شروطا تجعلها قابلة للتأويل وبالتالي التوسع على حساب الأراضي المغربية خاصة في الجزء الثاني والثالث حيث لم يحددا بدقة. رفض سلطان المغرب هذه الشروط وأدرك أن ممثلي المغرب قد خانوا الأمانة فراسل عامله بـ طنجة الفقيه بوسلهام بن علي بشأن هذه القضية حيث جاء في الرسالة: "وبعد، فقد وصلنا كتابك جوابا عما كنا كتبنا لك به في شأن حميدة بن علي وأحمد الأخضر وأن عدو الدين (ممثل فرنسا الكونت دولاريو) خدعهما وأبدى لهما الطمع حتى أدخلا طرفا واسعا من هذه الإيالة السعيدة في إيالة الجزائر... فاعلم أنا علمنا الحيف من أول وهلة فلم نطبع ولن نفعل في المستقبل إن شاء الله وغنما طبع عليه حميدة فقط فأسرع في مباشرة الامر على الكيفية التي قدمنا لك ولا تأل جهدا في فسخ ما عقد الطائعان الساقطا الهمة ولا حول ولا قوة إلا بالله." إلا أن إصرار فرنسا وتشبثها بالاتفاق وتهديد المغرب بقصف المزيد من الموانئ المغربية في حالة رفض التوقيع على الاتفاق. قبل السلطان بفصول الاتفاق الذي حرم المغرب من أراضي شاسعة كما كان سبب مشاكل المغرب وجارته الجزائر حتى بعد حصول كليهما على الاستقلال.


حرب تطوان والأزمة المالية 1859-1860م منذ النصف الأول من القرن 19م واسبانيا تحاول توسيع نفوذها في المدن المحتلة سبتة ومليلية، الامر الذي يؤدي الى مناوشات مع القبائل المجاورة، فهي تحاول على غرار فرنسا تدعيم نفوذها بالمغرب. وقد تأتى لها ذلك باستغلال المناوشات التي وقعت على حدود المدينتين مع قبائل الأنجرة سنة 1859م، فأعلنت الحرب مع موافقة بريطانيا شريطة عدم احتلال أي مدينة في الشمال المغربي. أمام الضعف المخزني، تمكنت اسبانيا من الانتصار واحتلال مدينة تطوان في فبراير 1860م (حوالي 4 شهور من الحرب). وبما أن بريطانيا لا ترغب في بقاء اسبانيا في تطوان، فإنها ستتدخل بواسطة مبعوثها جون دريموند هاري لدى السلطان الجديد محمد بن عبد الرحمان الذي تولى الحكم ما بين (1859-1873م) ليقبل باتفاق الصلح مع الاسبان. هذا الاتفاق الذي وقع في أبريل 1860م تضمن شروطا مجحفة مقابل انسحاب اسبانيا من تطوان أهمها: - توسيع نفوذ الاسبان بكل من سبتة ومليلية (الحدود). - تنازل المغرب عن مركز للصيد بالجنوب لصالح اسبانيا (موقع تاريخي طالبت به اسبانيا لكونه يعود لـ: سانتاكروز دي لمار بيكينيا). - اتفاقية تجارية تمنح امتيازات قضائية وتجارية للرعايا الاسبان على غرار اتفاقية 1856 التي وقعت مع بريطانيا. - غرامة مالية ثقيلة حددت في 100 مليون بسيطة مع مشاركة موظفين اسبان في استخلاص الضرائب بالمراسي المغربية. لأداء هذا المبلغ، رهن المغرب 60% من مداخيل الجمارك لمدة 30 سنة، خاصة وأن المغرب كان عاجزا عن أداء هذا المبلغ الضخم. فقط لدفع الدفعة الأولى سيضطر إلى الاقتراض، فأمام اصرار اسبانيا وتهديدها بالعودة الى الحرب والتي لا تخدم المصالح البريطانية، عرضت هذه الأخيرة على المغرب مساعدته بتمكينه من قرض 500 ألف جنيه تضمنه مداخيل الجمارك والذي يعتبر أول قرض أجنبي وليس الأخير إلى الآن. ومما جاء في رسالة جون دريموند هاري لأقناع المغرب بقبول الصلح أرسلها الى الحاجب الخطيب بن اليمني بعد معركة تطوان: " وأنتم في هذه الوقت ليس عندكم حركة لتحاصروا مدينة تطوان والشجاعة وكثرة الأدامي لا تنفع مع حركة الحرب، ولهذا لابد من التوصل الى الصلح والصبر على ما كتب الله في هذا الوقت...وبالصلح وفتح المراسي وتقوية التجارة في كل مواضع الإيالة، تخلف ما خسر في هذا الوقت... وحاصل الكلام هو الصبر وتؤدوا المصاريف التي تقدرون عليها لتعجلوا الصلح". رسالة جون دريموند هاري بتاريخ 1860، خالد بن الصغير- المغرب في الأرشيف البريطاني مراسلات دريموند هاري ص: 80 و81

تعليقات

إرسال تعليق