السعديون
مقدمة:
تميزت فترة حكم السعديين و العلويين الاوائل بتحولات مهمة ساهمت في تغير مجرى تاريخ المغرب و منحته فرصة ولوج العالم الحديث حسب ما عبر عنه جاك بيرك ( فهي فرصة للانتقال نحو العالم الحديث و مناسبة لتغيير شكل المجتمع) .
و من مظاهر هذه الظرفية الاحتلال الابيري للسواحل المغربية سواء منها الاطلسية أو المتوسطية و ما ترتب عنه من تنشيط لفريضة الجهاد و تحركات القبائل العربية و وصول الاتراك الى الجزائر و الانتشار الواسع للصلاح ( الصلحاء، الزوايا ،...) و تزامنت هذه الفترة مع عصر النهضة الاوربية و محاولة السلاطين السعديين و العلويين التكيف مع هذه المستجدات و ما نتج عنها من تحولات اقتصادية وعسكرية.
و من اهم التحولات التي طبعت الفترة :" الايديولوجية " الجديدة للدولة المغربية التي اصبحت تستمد منها اسس وجودها و مقومات استمرارها على الصعيدين السياسي و المجتمعي و هي " النسب الشريف" . الذي احيط بعناية كبيرة منذ عهد الادارسة . لكن هذا الاهتمام تراجع نوعا ما خلال عصور الأمارات الزناتية و المرابطين إلا ان مكانتهم ( الشرفاء) في المجتمع بقيت محترمة . و في العصر الموحدي استندت ايديولوجية الدولة الى النسب الشريف الذي يبرر مهدوية ابن تومرت و مع العصر المريني ستعرف ظاهرة الشرف موقعا متميزا و أساسيا داخل المنظومة السياسية و الثقافية و ذلك لان الحكم المريني حاول البحث عن توازنات جديدة للاستفادة منها في تدعيم شرعيته السياسية و حسب المؤرخ محمد القبلي في مقاله " مساهمة في تاريخ التمهيد لظهور دولة السعديين " مجلة كلية الاداب / الرباط . عدد ¾ / 1978. بأن ظاهرة الشرف أصبح لها موقع خاص ضمن ايديولوجية الدولة المرينية .
و مما لا شك فيه ، أن الشرفاء لعبوا دورا مهما في المجتمع المغربي ، إذ أصبحوا يشكلون عنصر توازن اجتماعي و روحي ، خاصة في المناطق التي تعرف فراغا سياسيا و ذلك منذ عهد الادارسة .
و نفس الشيء لعبته الاسر الشريفة التي ستدخل المغرب بعد الادارسة منها السعديون و العلويون و الذين اتخذوا من النسب الشريف احد المقومات الايديولوجية لتبرير احقيتهم في الحكم مدشنين بذلك منعطفا جديدا ، أصبحت بموجبه الاطروحة الخلدونية التي تجعل من العصبية القبلية أساس الملك أطروحة متجاوزة على هذا المستوى حسب جاك بيرك .
و الملاحظ أن الشرفاء السعديين و العلويين تمكنوا من تركيز دعائم دولتهم استنادا الى هذه المشروعية السياسية الجديدة و نجحوا في مهمتهم و قاموا بمجموعة من الاصلاحات في مجالات متعددة و إن كان هذا لا ينفي مرور الدولة المغربية من ازمات سياسية عميقة طرحت فيها مشروعية الحكم من جديد بعد وفاة أحمد المنصور السعدي و المولى اسماعيل العلوي.
و هذا الوضع يدفع الى طرح سؤال جوهري و هو : الى اي حد تساهم شخصية السلطان في اقرار الاستقرار و الاستمرار ؟
فمن خلال تصفحنا و استقرائنا لتاريخ المغرب نلاحظ أن هيبة الدولة و قوتها مرتبطة ارتباطا وثيقا بهيبة و قوة السلطان لذلك فبمجرد اختفاءه توضع علامة استفهام امام كل شيء.
1- الظروف التي تولى فيها السعديون الحكم:
عندما تولى السعديون الحكم كان المغرب يعرف تمزقا داخليا لضعف سلطة الوطاسيين التي اصبحت مقتصرة على مدينة فاس و ما يحيط بها ، كما ان الوطاسيين انهكت قواهم في محاربة الثائرين داخليا و مواجهة الغزو الايبيري خارجيا . و هناك عدة ظروف ساعدت السعديين على الوصول الى الحكم منها الاحتلال الاسباني و البرتغالي لسواحل المغرب الاطلسية منذ مطلع ق 16 بما في ذلك سواحل سوس إضافة الى ان جنوب المغرب كان يعيش فراغا سياسيا لانعدام السلطة الوطاسية فيه مما ادى الى ظهور فوضى و اضطرابات و صراعات بين القبائل .
و أمام هذا الفراغ السياسي اصبح الفقهاء و المتصوفة يلعبون دور السلطة في فك النزاعات و توفير السلم ، و من أهم الشيوخ الذين برزوا في هذه المنطقة الشيخ محمد بن امبارك الاقاوي نسبة الى قرية آقا و هو من مريدي محمد بن سليمان الجازولي ، الذين جمعوا بين العلم و العمل . و نظرا للمكانة التي كان يحتلها الشيخ محمد الاقاوي في مجاله الذي عمل على تنظيمه فإن بعض القبائل السوسية بادرت الى مبايعته على اساس حمايتها و القيام باعمال الجهاد ضد كل خطر خارجي الا ان الشيخ رفض طلبهم لما عرف عنه من زهد و ورع و عزوف عن الملك و السياسة ، لذا نصحهم بمبايعة الشريف محمد بن عبد الرحمان (جد السعديين) من تاكمادارت بدرعة و كان ذلك سنة 915 ه الموافق ل 1510 م . و هكذا بايع اهل سوس محمد بن عبد الرحمان في قرية تدسي قرب مدينة تارودانت و خطب فيهم باللهجة الامازيغية ، فوقع اجماع على بيعته .
و نفس الشيء لعبته الاسر الشريفة التي ستدخل المغرب بعد الادارسة منها السعديون و العلويون و الذين اتخذوا من النسب الشريف احد المقومات الايديولوجية لتبرير احقيتهم في الحكم مدشنين بذلك منعطفا جديدا ، أصبحت بموجبه الاطروحة الخلدونية التي تجعل من العصبية القبلية أساس الملك أطروحة متجاوزة على هذا المستوى حسب جاك بيرك .
و الملاحظ أن الشرفاء السعديين و العلويين تمكنوا من تركيز دعائم دولتهم استنادا الى هذه المشروعية السياسية الجديدة و نجحوا في مهمتهم و قاموا بمجموعة من الاصلاحات في مجالات متعددة و إن كان هذا لا ينفي مرور الدولة المغربية من ازمات سياسية عميقة طرحت فيها مشروعية الحكم من جديد بعد وفاة أحمد المنصور السعدي و المولى اسماعيل العلوي.
و هذا الوضع يدفع الى طرح سؤال جوهري و هو : الى اي حد تساهم شخصية السلطان في اقرار الاستقرار و الاستمرار ؟
فمن خلال تصفحنا و استقرائنا لتاريخ المغرب نلاحظ أن هيبة الدولة و قوتها مرتبطة ارتباطا وثيقا بهيبة و قوة السلطان لذلك فبمجرد اختفاءه توضع علامة استفهام امام كل شيء.
1- الظروف التي تولى فيها السعديون الحكم:
عندما تولى السعديون الحكم كان المغرب يعرف تمزقا داخليا لضعف سلطة الوطاسيين التي اصبحت مقتصرة على مدينة فاس و ما يحيط بها ، كما ان الوطاسيين انهكت قواهم في محاربة الثائرين داخليا و مواجهة الغزو الايبيري خارجيا . و هناك عدة ظروف ساعدت السعديين على الوصول الى الحكم منها الاحتلال الاسباني و البرتغالي لسواحل المغرب الاطلسية منذ مطلع ق 16 بما في ذلك سواحل سوس إضافة الى ان جنوب المغرب كان يعيش فراغا سياسيا لانعدام السلطة الوطاسية فيه مما ادى الى ظهور فوضى و اضطرابات و صراعات بين القبائل .
و أمام هذا الفراغ السياسي اصبح الفقهاء و المتصوفة يلعبون دور السلطة في فك النزاعات و توفير السلم ، و من أهم الشيوخ الذين برزوا في هذه المنطقة الشيخ محمد بن امبارك الاقاوي نسبة الى قرية آقا و هو من مريدي محمد بن سليمان الجازولي ، الذين جمعوا بين العلم و العمل . و نظرا للمكانة التي كان يحتلها الشيخ محمد الاقاوي في مجاله الذي عمل على تنظيمه فإن بعض القبائل السوسية بادرت الى مبايعته على اساس حمايتها و القيام باعمال الجهاد ضد كل خطر خارجي الا ان الشيخ رفض طلبهم لما عرف عنه من زهد و ورع و عزوف عن الملك و السياسة ، لذا نصحهم بمبايعة الشريف محمد بن عبد الرحمان (جد السعديين) من تاكمادارت بدرعة و كان ذلك سنة 915 ه الموافق ل 1510 م . و هكذا بايع اهل سوس محمد بن عبد الرحمان في قرية تدسي قرب مدينة تارودانت و خطب فيهم باللهجة الامازيغية ، فوقع اجماع على بيعته .
كان المشروع السياسي محكما و مضبوطا ، إذ اعتمد الدقة و التدرج في تنفيذه ، فالرجل كانت له كفاءات عالية إذ استثمر كل المؤهلات سواء العلمية أو الدينية أو النسب الشريف و أيضا المكانة الاجتماعية و الصلاح و هي كلها مفاهيم مشتركة بين كل المتطلعين للسلطة عبر تاريخ المغرب و ملوح بها ايديولوجيا لتحقيق المشروعية في مجتمع متدين و كسب الدعم الشعبي . و أول شيء قام به محمد بن عبد الرحمان هو بيعة ابنه الاكبر احمد اذا اصبح يلقب بملك سوس أما هو فلقب بالقائم بامر الله و تبنى فكرة الامر بالمعروف و النهي عن المنكر كما استغل الكرامة و ما تحمله من رموز و دلالات لاكتساب مشروعية الحكم.
و حسب لطفي بوشنتوف في كتابه " العالم و السلطان" اختلف الباحثون حول الظروف التي ادت الى قيام السعديين فهناك من تبنى مقاربة التصوف و الصلاح اي ان الدولة قامت بفضل الصوفية و زواياها و هناك من تبنى مقاربة طبيعية لها علاقة بجفاف و مجاعة و وباء 1521-1522 م التي ابانت عن ضعف الوطاسيين و عجزهم عن احتواء الازمة و بروز السعديين في الجنوب المغربي و قدرتهم على التحكم في المنطقة حسب حميد التريكي و روزان بيرجي في مقالهما : المجاعة و الاوبئة في المغرب في ق 16-17 م و هناك من ربط وصول السعديين الى الحكم باقتناء السلاح الناري مقايضة بسلعة السكر ، إذ تنبه السعديون الى انه لا يمكن الانتصار على الوطاسيين بفاس و الهنتاتيين بمراكش و تحرير الثغور من يد البرتغال إلا بتسليح الجيش بالسلاح الناري فعملوا على استيراده من الموانئ عن طريق المهربين ، و هكذا اقترن نجاح مشروع السعديين السياسي في بداياته بكسب المعركة التجارية بالاساس مما مكنه من التغلب على كل القوى المحلية و البرتغاليين و الوطاسيين حسب الباحث محمد المهناوي في بحثه : السلاح الناري في مغرب السعديين.
في حين ركز بعض الباحثين على المتغيرات التي طرأت على البنى الاجتماعية التقليدية ، إذ أن العصبية القبلية لم تعد لها نفس الفعالية في تأسيس الدولة و خلق وحدة سياسية خاصة بعد الظرفية التي أصبح يعيشها المغرب في عهد الدولة الوطاسية التي تحول فيها من موقع المهاجم إلى موقع المدافع سواء على حدوده أو اقتصاده أو دينه . و أمام تراجع العصبية أصبح الشرف هو السبيل الوحيد لبلوغ الهدف.
الدولة السعدية |
تعليقات
إرسال تعليق