الدولة المرينية المحاضرة التانية

المحاضرة التانية دولة المرينيين

ينحدر المرينيون من بني واسين الزناتية، واستقروا في المناطق الشرقية والجنوب الشرقي من المغرب الأقصى، وكانوا من البدو الرُحَّل في مطلع القرن السابع الهجري الثالث عشر ميلادي يرعون الغنم والإبل في القفار بين منطقة فكيك وملوية (الجهة الشرقية حاليا). وكانوا يتعمقون في المغرب الأقصى ويصعدون إلى التلال والأرياف، ويبلغون جهات كرسيف إلى وطاط حيث بقايا قبيلة زناتة الأولى التي يأنسون إليها، مثل مكناسة بجبال تازة وبني يرنيان من مغراوة أعالي ملوية، حيث يجمعون الكلأ بين المربع والمصيف ويعودون لمواقعهم.
«...وكانوا في مطلع القرن السابع بدوا متنقلين يرعون الإبل والغنم في قفار المغرب الشرقي بين فجيج وملوية، فينتجعون الكلأ في فصل الربيع والصيف حتى ناحية تازة ووجدة ، ثم يقفلون نحو الجنوب في نهاية الخريف ”. نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب، المقري.»
وخلال تزعم محيو بن أبي بكر لبني مرين، شهدوا معركة الأرك وقاتلوا في صفوف الموحدين في عهد السلطان أبو يوسف يعقوب بن يوسف المنصور، وأصيب زعيمهم محيو بن أبي بكر في تلك الغزوة وهلك على إثرها سنة 592هـ - 1195م. وترك خلفه من الأولاد عبد الحق ووسناف ويحياتن. وكان عبد الحق أكبرهم فتزعم القبيلة، ويقول ابن خلدون في ذلك: «وكان خير أمير عليهم قياماً بمصالحهم وتعففاً عما في أيديهم وتقويماً لهم على الجادة ونظراً في العواقب واستمرت أيامهم». كان الخلفاء الموحدين يعينون الأشياخ كعمال لتسيير المناطق البعيدة عن السلطة المركزية في مراكش، أبرزهم شيوخ تينمل بالأطلس وشيوخ هنتاتة بتونس. وكان هؤلاء الأشياخ معروفين باتجاههم المحافظ والمتشبث بالمهدوية وفكرها التومرتي لمؤسس الدولة عبد المؤمن الموحدي، فعندما أقدم الخليفة إدريس المأمون بحركة إصلاحية تتبرأ بعقيدة المهدي، أعلن حاكم إفريقية أبو زكرياء يحيى إسقاط الدعاء باسم الخليفة المأمون في خطب الصلاة، لأن شرعية السلطة السياسية وإمارة المؤمنين، حسب اعتقادهم، لا تستقيم إلا بالإنتماء إلى المهدوية التومرتية. ولما علم المرينيون بالتحالف بين الخليفة الحفصي الجديد والعبد الواديين حاكمي تلمسان ضد السلطة الموحدية بمراكش، أسرعوا إلى مبايعة الخليفة الحفصي.
بعد تقلص الرقعة الجغرافية والسلطة الفعلية للإمبراطورية الموحدية على شمال أفريقيا والأندلس، شهد النصف الأول من القرن الثالث عشر ميلادي تقسيما جديدا للغرب الإسلامي، ظهرت أربع قوى إسلامية جديدة، حيث انفصل الحفصيون بالمغرب الأدنى، واستولى بنو عبد الواد على المغرب الأوسط، بينما استقر الأمر فيما تبقى من الأندلس المسلمة لبني الأحمر، بعدما استولى على معظم الجزيرة الإيبيرية القشتاليون والكتلانيون والبرتغاليون، في حين كان المرينيون يمهدون الطريق نحو إقامة دولتهم.
انتشار بني مرين
بعد معركة العُقاب سنة 609 هـ ومهلك الخليفة محمد الناصر رابع خلفاء الموحدين سنة 610 هـ، تولى الأمر من بعده ابنه يوسف المستنصر، الذي كان لا يزال غلاماً لم يبلغ الحلم. فضعف نفوذ الموحّدين وضاعت معها الثغور. وفي سنة 610 هـ / 1213م أقبل بنو مرين على عادتهم ودخلوا المغرب فوجدوا أحواله قد تبدلت، فاغتنموا الفرصة فشرعت القبائل المرينيّة في التوسّع في الريف وفي الغرب، ووضعوا أنفسهم مؤقّتًا تحت السلطة الاسميّة للحفصيّين، بعد أن دعا أهل مكناس عند فتحها إلى مبايعة الحفصيين، وقد افادتهم هذه الخطة حيث هادن الحفصيون المرينيين وأمدوهم بالسلاح. 
فأرسل الخليفة المستنصر أبا علي بن وانودين على رأس الجيش الموحدي من مراكش إلى حيث تجتمع جيوش الموحدين بفاس. وأوعز إليه أن يخرج لغزو بني مرين وأمره أن يثخن ولا يستبقي، حسب قول ابن خلدون. فالتقى الجمعان بوادي نكور فانتصر بنو مرين تحت قيادة عبد الحق بن محيو وولّى الموحدين مُدْبِرِينَ إلى تازة وفاس، وانظمت للمرينيين القبائل القريبة لهم في النسب، فتحالفوا معهم من أجل قتال قبائل رياح من بني هلال، المناصرين للموحدين للعهد الذي بينهم حيث وطنهم المنصور بذلك القطر، بالإضافة لبني عسكر أبناء عمومة بني مرين، الذين انضموا إلى الموحدين، وجرت حروب دموية سنة 614 هـ / 1217م، انتهت بسقوط زعيم بنو مرين الأمير عبد الحق محيو وكبير أولاده إدريس. فأقسم بنو مرين الأخذ بالثأر،واستأنفوا القتال حتى انتصروا عليهم وشردوهم. وبايع بنو مرين موضع عبد الحق محيو ابنه الأمير أبا سعيد عثمان، وسار على رأس جيش فأخضع عدة مدن وحصون وفرض عليها اتاوة سنوية. وزاد تفكك الدولة الموحدية، حيث ظهر مدعي النبوة ابن أبي الطواجين وقتل أتباعه المتصوف عبد السلام بن مشيش. وفي العام 639 هـ / 1242م سيّر عبد الواحد الرشيد خليفة الموحِّدين جيشاً لقتال بني مرين، فهُزِم الموحِّدون هزيمة شنيعة، واستولى المرينيون على معسكرهم. وتوفي الرشيد في العام التالي، فخلفه أخوه أبو الحسن السعيد، الذي اعتزم القضاء على بني مرين، فسيّر جيشا كبيرا لقتالهم سنة 642 هـ - 1244 م، واشتبك مع بني مرين في موقعة هائلة، هُزِم فيها بنو مرين، وقُتِل أميرهم أبو معروف محمد بن عبد الحق، وشكلت ضربة شديدة هزّت عزائم المرينيين. وانضمت قبائل بنو هلال إلى جانب المرينيين، كقبائل الخلط وبني جابر وبني زغبة وبني سفيان وسويد وبني سليم وبني عامر وبعض بني رياح، بالإضافة لبعض بني معقل، فاعتمد المرينيون بشكل كبير على العنصر العربي في تكوين مؤسستهم الحربية. وبذلك حارب المرينيون ككتلة قبلية وليس كدولة، لدرجة أن الصراع المريني الموحدي تحول إلى صراع بين القبائل العربية (المتحالفة مع زناتة) والبربرية (مصمودة). ولم يكترث بنو عبد الواد للقرابة الاثنية والدموية التي تجمعهم ببني مرين، حيث قاتلوا في صفوف الموحدين ضد بني عمومتهم.
لمتابعة المحاضرة الموالية اضغط هنا 

تعليقات